عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
محاضرة في الزلفى مع شرح لأبواب من كتاب الجنائز في صحيح البخاري
7148 مشاهدة
التكفين في ثوبين

باب الكفن في ثوبين. حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته -أو قال- فأوقصته، قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .


في هذه واقعة في عرفات لما وقفوا في عرفات وقفوا على رواحلهم وطال وقوفهم؛ سقط رجل وهو محرم من بعيره، ولما سقط سقط على رأسه فمات، ولما مات سألوا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرشدهم إلى كيفية تجهيزه.
كان محرما وعليه ثوبان؛ ثوب على ظهره وهو الرداء وثوب على عورته وهو الإزار، فقال صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر يعني: فقط بماء وسدر لأن السدر ينظف ولو كان محرما؛ يغسل رأسه ويغسل جسده ويغسل وينظف بالماء والسدر. وكفنوه في ثوبيه أي في ثيابه التي أحرم بها.
ولا تخمروا رأسه أي: لا يغطى رأسه عند الكفن، بل يُدخل ويوضع في اللحد ورأسه مكشوف؛ وذلك لأنه محرم باق على إحرامه، فيوضع في قبره ورأسه مكشوف، والأكفان توضع على بدنه أي يستر عنقه ومنكباه وصدره وبطنه وظهره ورجلاه ويداه؛ يستر الجميع بهذين الكفنين -الإزار والرداء-.
ونهاهم عن التحنيط؛ أي الطيب الذي يحنط به الميت لا تحنطوه أي: لا تجعلوا فيه طيبا؛ وذلك لأنه باق على إحرامه، والمحرم منهي عن الطيب، وإنما الطيب الذي هو الحنوط يجعل لغير المحرم، إذا مات الميت فبعدما يغسل يجعل من ذلك الحنوط على جسده، فيجعل منه في أذنيه وفي عينيه وفي منخريه وفي...
كذلك في رقبته وفي إبطيه وفي منافذ جسده، وبين أليتيه وبطون ركبتيه، وإن طيب كله فحسن؛ ولعل السبب في ذلك أن لا يسرع إليه الفساد، وأن لا يخرج منه ريح -الريح الذي يخرج من الميت أو من كل ميت-.
ولعل ذلك أيضا إكرام للمسلم أن يزود بهذا الطيب الذي هو الحنوط.
يشرع أن يكون هذا الحنوط من الورس ومن الريحان ومن الأنواع من الطيب التي لها عطر وريح طيب، وبعد فضها تداس إلى أن تكون كالطحين، ثم تعبأ في زجاجة، ثم يؤخذ منها ويجعل على منافذه قبل أن يكفن. ثم بعد ذلك يتم تكفينه.
أما المحرم فإنه باق على إحرامه؛ يجعل له هذان الكفنان اللذان هما إزاره ورداؤه كلفافتين يبسطان ثم يوضع عليهم ثم ترد إحداهما على الأخرى، ثم تعقد بالعقد ورأسه يبقى مكشوفا ولا يجعل عليه شيء من الطيب؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا، يبعث محرما؛ يعني: أخبر بأنه إذا بعث يبعث وهو يقول: لبيك لبيك؛ أي باق على إحرامه؛ وذلك لأنها عبادة فاضلة فبقي أثرها عليه في حياته وعند موته وعند بعثه. نعم.